كذلك، إنْ أردت أنْ تناقشَ قضية الإيمان أو الكفر، وأنْ تختار بينهما؛ لأنهما يجتمعان أبداً، ولا بُدَّ أنْ تختار، فحين تناقش هذه القضية وأنت مُصِرٌّ على الكفر فلن تصل إلى الإيمان؛ لأن الله يطبع على القلب المُصِرَّ فلا يخرج منه الكفر، ولا يدخله الإيمان، إنما أخرِجْ الكفر أولاً وتحرّر من أَسْره، ثم ناقش المسائل كما تحب.
كما قال تعالى:{قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى وفرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ. .}[سبأ: ٤٦] .
أما أنْ تناقش قضية، وفي ذهْنك فكرة مُسبقة، فأنت كهؤلاء الذين قال الله فيهم:{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم مَاذَا قَالَ آنِفاً. .}[محمد: ١٦] يعني: ما الجديد الذي جاء به، وما المعجزة في هذا الكلام؟ فيأتي الرد:{أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ}[محمد: ١٦ - ١٧] .
وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه عن القرآن:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى. .}[فصلت: ٤٤] .
فالقرآن واحد، لكن المستقبل مختلف، وقد ذكرنا أنك حين تريد أن تبرد كوب الشاي الساخن فإنك تنفخ فيه، وكذلك إنْ أردتَ أنْ تُدفِئ يديك في برد الشتاء فإنك أيضاً تنفخ فيها، كيف - إذن - والفاعل واحد؟ نعم، الفاعل واحد، لكن المستقبل للفعل مختلف.