والإنسان إذا تعمَّق في عبادة الله وفي طاعته يفيض عليه من التجليات، ويعطيه من هذا الملكوت عطاءً مباشراً، كما قال:{مِّن لَّدُنَّآ. .}[النساء: ٦٧] .
ألا ترى إبراهيم عليه السلام قال عنه ربه {وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى}[النجم: ٣٧] وقال عنه: {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ. .}[البقرة: ١٢٤] يعني: يؤدي ما لله بدقة وعلى الوجهِ الأكمل؛ لذلك يأتمنه ربه على أن يكون إماماً للناس {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً. .}[البقرة: ١٢٤]
فلما أحسن إبراهيمُ ما بينه وبين ربه وبلغ هذه المنزلة قال عنه ربه:{وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض. .}[الأنعام: ٧٥] .
لأنه أحسن في الأولى فرقى إلى أعلى منه. كما لو دخل رجل بيتك وشاهد ما عندك من نعيم، ففرح لما أنت فيه، وقال: ما شاء الله تبارك الله، ودعا لك بالزيادة، فلما رأيت منه ذلك قلت له إذن: تعالى أريك ما هو أعظم.
كذلك العبد الصالح الذي عبد الله وتقرَّب إليه بمنهج موسى عليهما السلام، فلما استقام على هذا المنهج وتعمَّق في عبادة الله وطاعته أعطاه الله من علمه اللدنيّ دون واسطة ودون رسول، حتى كان هو مُعلِّماً لموسى عليه السلام.
ثم يقول سبحانه:{وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ. .}[المؤمنون: ٨٨] يجير: تقول: استجار بفلان فأجاره يعني: استغاث به فأغاثه، ومنه قوله تعالى:{وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ. .}[الأنفال: ٤٨] والإنسان لا يستجير بغيره إلا إذا ضعُفَتْ قوته عن حمايته، فيلجأ إلى قوي يحميه ويدافع عنه.