إذن: هذه المسألة لها ثلاثة عناصر: مجير، وهو الذي يقبل أن يغيثك ويحتضنك ويدافع عنك.
ومُجَار: وهو الضعيف الذي يطلب الحماية. ومُجَار عليه: وهو القوي الذي يريد أن يبطش. ومن المعروف أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في رحلته إلى الطائف وبعد أنْ فعلوا به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما فعلوا استجار، ودخل في حمى كافر.
فالحق - سبحانه وتعالى - يجير مَنِ استجار به، ويغيث مَن استغاثة لكن {وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ. .}[المؤمنون: ٨٨] لأن الذي يجيرك إنما يجيرك من مساوٍ له في القوة، فيستطيع أن يمنعك منه، ويحميك من بطشه، فَمنْ ذا الذي يحميك من الله؟ ومَنْ يجيرك إنْ كان الله هو طالبك؟!
لذلك يقول سبحانه في مسألة ابن نوح:{قَالَ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ. .}[هود: ٤٣] فالله - عَزَّ وَجَلَّ - يجير على كل شيء، ومن أصبح وأمسى في جوار ربه فلا خوف عليه.
وتلحظ هنا العلاقة بين صَدْر هذه الآية وعَجُزها: فالله تعالى بيده وفي قبضته سبحانه كل شيء، والأمر كله إليه، فإياك أنْ تظن أنك تلفت من قبضته بالنعمة التي أعطاك؛ لأنه سبحانه قادر أن يسلبك إياها، وساعتها لن يجيرك أحد، ولن يغيثك من الله مغيث، ولن يعصمك من الله عاصم.
ثم قرأ قوله تعالى:{قُلِ اللهم مَالِكَ الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الخير إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران: ٢٦] .
وهنا أيضاً يقول سبحانه:{إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[المؤمنون: ٨٨] إنْ كان عندكم علم بهذه المسألة ووصلت إليكم وعاينتموها.