تشرق الشمس تجد في الكون نورا. . ولكن الضوء يأتي بعد شروق الشمس. . فلو أن الحق تبارك وتعالى قال ذهب الله بضوئهم. . لكان المعنى أنه سبحانه ذهب بما يعكس النور. . ولكنه أبقى لهم النور. . ولكن قوله تعالى:{ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} . . معناها أنه لم يبق لهم ضوءا ولا نورا. . فكأن قلوبهم يملؤها الظلام. . ولذلك قال الله بعدها؛ {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} . . لنعلم أنه لا يوجد في قلوبهم أي نور ولا ضوء إيماني. . كل هذا حدث بظلمهم هم وانصرافهم عن نور الله.
ونلاحظ هنا أن الحق سبحانه وتعالى. . لم يقل وتركهم في ظلام. . بل قال:«في ظلمات» . . أي أنها ظلمات متراكمة.
. ظلمات مركبة لا يستطيعون الخروج منها أبدا. .
من أين جاءت هذه الظلمات؟ . . جاءت لأنهم طلبوا الدنيا ولم يطلبوا الآخرة. . وعندما جاءهم نور الإيمان انصرفوا عنه فصرف الله قلوبهم. .
مثلا إذا أخذنا قصة زعيم المنافقين عبد الله بن أُبَيِّ، نرى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دخل المدينة وأهلها يستعدون لتتويج عبد الله بن أبي ملكا عليها. . وعندما وصل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ انصرف الناس عن عبد الله بن أبي إلى استقبال الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ. . فوصول الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ ضيع على عبد الله بن أبي الْمُلْك. . ولقد كان من الممكن أن يؤمن. . وأن يلتمس النور من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. . ولو آمن حينئذ ربما أعطى في الآخرة ملكا دائما. . يفوق الملك الذي كان سيحصل عليه في الدنيا. . ولكن لأن في قلبه الدنيا وليس الدين. . ولأنه يريد رفعة في الدنيا. . ولا يريد جنة في الآخرة، فقد ملأ الحقد قلبه فكان ظلمة. . وملأ الحسد قلبه فكان ظلمة. . وملأت الحسرة قلبه فكانت ظلمة. . وملأت الكراهية والبغضاء قلبه فكانت ظلمة. . إذن هي ظلمات متعددة. .
وهكذا في قلب كل منافق ظلمات متعددة. . ظلمة الحقد على المؤمنين وظلمة الكراهية لهم. . وظلمة تمني هزيمة الإيمان. . وظلمة تمني أن يصيبهم سوء وشر. . وظلمة التمزق والألم من الجهد الذي يبذله للتظاهر بالإيمان وفي قلوبهم الكفر. .