إذن: فهم في هذه المرحلة يشتهون الأمن وهدوء البال، وقد قال تعالى عنهم في هذه الفترة:{وَزُلْزِلُواْ حتى يَقُولَ الرسول والذين آمَنُواْ مَعَهُ متى نَصْرُ الله}[البقرة: ٢١٤] .
وفي غمرة هذه الشدة وقمة هذا الضيق يُنزل تعالى على رسوله:{سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر}[القمر: ٤٥] حتى إن الصحابة ليتعجبون، يقول عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أيُّ جمع هذا؟ وقد نزلت الآية وهم في مكة في أشد الخوف لا يستطيعون حماية أنفسهم.
لكن بعد بدر وبعد أنْ رأى ما نزل بالكفار قال: صدق الله {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر}[القمر: ٤٥] .
ثم ينزل الله تعالى على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعض الآيات التي تُطمئن المؤمنين وتصبرهم:{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}[الرعد: ٤١] .
فاطمئنوا، فكل يوم ننقص من أرض الكفر، ونزيد من أرض الإيمان، فالمقدِّمات في صالحكم، ثم يأتي فتح مكة ويدخلها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في موكب مهيب مُطْأطِئاً رأسه، تواضعاً لمن أدخله، مُظهِراً ذِلة العبودية لله.
حتى إن أبا سفيان لما رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في هذا الموكب يقول للعباس: لقد أصبح مُلْك ابن أخيك عظيماً، فيقول العباس: إنها النبوة يا أبا سفيان، يعني: المسألة ليست مُلْكاً إنما هو بشائر