أجابهم الله كذّبوا، مع أن الآيات والمعجزات ليست باقتراح المرسل إليهم، إنما تفضُّل من الله تعالى واهب هذه الرسالة.
والاستكبار مادته الكاف والباء والراء. وتأتي بمعانٍ عِدَّة: تقول كَبَرَ يكْبَر أي: في عمره وحجمه، وكَبُر يكبُر أي: عَظُم في ذاته، ومنها قوله تعالى:{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}[الكهف: ٥] .
وتكبَّر: أظهر صفة الكبرياء للناس، واستكبر: إذا لم يكُنْ عنده مؤهلات الكِبر، ومع ذلك يطلب أن يكون كبيراً.
فالمعنى {استكبروا}[الفرقان: ٢١] ليس في حقيقة تكوينهم إنما {استكبروا في أَنفُسِهِمْ}[الفرقان: ٢١] في أنهم يتبعُون الرسول، أي: أنها كبيرة عليهم أن يكونوا تابعين لرجل يروْنَ غيره أغنى منه أو أحسن منه (على زعمهم) .
ونرى مثلاً أحد الفتوات الذي يخضع له الجميع إذا ما رأى مَنْ هو أقوى منه انكمشَ أمامه وتواضع؛ لأنه يستكبر بلا رصيد وبشيء ليس ذاتياً فيه. . إذن: المتكبر بلا رصيد غافل عن كبرياء ربه، ولو استشعر كبرياء الله عَزَّ وجَل لاستحَى أنْ يتكبّر.
لذلك نرى أهل الطاعة والمعرفة دائماً منكسرين، لماذا؟ لأنهم دائماً مستشعرون كبرياءَ الله، والإنسان (لا يتفرعن) إلا إذا رأى الجميع دونه، وليس هناك مَنْ هو أكبر منه. فينبغي ألا يَتكبَّر الإنسان إلا بشيء ذاتي فيه لا يُسلبَ منه، فإن استكبرت بِغنَاك فربما افتقرتَ، وإنِ استكبرتَ بقوتك فرُبّما أصابك المرض، وإنِ استكبرتَ بعلمك لا تأمنْ أن يُسلبَ منك لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً.
ومن لُطْف الله بالخَلْق ورحمته بهم أنْ يكون له وحده الكبرياء،