وكذلك السيدة خديجة: هل انتظرت من رسول الله ما يُثبت نبوته؟ إنها بمجرد أن قال رسول الله صدَّقتْ به، ووقفت بجانبه وثبَّتته وهدَّأتْ من روعه، وقالت له:«والله لا يُسلمك الله أبداً، إنك لتصِلُ الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتعين على نوائب الدهر» .
ومعنى:{مَهْجُوراً}[الفرقان: ٣٠] من الهجر وهو قَطْع الصلة، فإنْ كانت من جانب واحد فهي هَجْر، وإن كانت من الجانبين فهي (هاجراً) . والمعنى: أنهم هجروا القرآن، وقطعوا الصلة بينهم وبينه، وهذا يعني أنهم انقطعوا عن الألوهية وانقطعوا عن الرسالة المحمدية، فلم يأخذوا أدلة اليقين العقدية، وانقطعوا عن الرسالة المحمدية حينما كذَّبوا بها، وانقطعوا عن الأحكام حينما عَصَوْها، وبذلك اتخذوا هذا القرآن مهجوراً في كل هذه المسائل: العقائد والعبادات والتصديق بالرسول.
مع أن العرب لو فهموا قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف: ٤٤] لمجّدوا القرآن وتمسَّكوا به، فهو الذي عصمهم وعصم لغتهم، وأعْلَى ذِكْرهم بين الأمم، ولو أن كل أمة من الأمم المعاصرة أخذتْ لهجتها الخاصة الوطنية، وجعلت منها لغةً لتلاشت العربية كلغة.
وفي كثير من بلدان الوطن العربي لو حدَّثوك بلهجتهم الخاصة لا تفهم منها شيئاً، ولولا أن الفُصْحى لغة القرآن تربط بين هذه اللهجات لأصبحتْ كلٌّ منها لغةً خاصة، كما حدث في اللغات اللاتينية