على رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ يَخْلُقُ الله مَا يَشَآءُ إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور: ٤٥] .
إذن: المشْي لا ينحصر في الحالات التي نعرفها فقط، إنما هي طلاقة القدرة التي تفعل ما تشاء.
لكن، لماذا لم يذكر القرآن أسماء هؤلاء الأشخاص الظالمين المعاندين للإسلام؟ قالوا: هذا من باب إرخاء العِنَان للخَصْم، وكلمة (العنان) تأتي بكسر العين وفتحها، واللغويون يقولون: هي على وزن ما هي بمعناه، فإنت قصدتَ بها عَنان السماء فهي على وزن سَحَاب، وإن أردتَ بها عِنان الفرس، فهي على وزن لِجَام.
وراكب الدابة إنْ أرخى لها العِنان تركها تسير كما تشاء، كذلك الحق تبارك وتعالى يُرخِي للخصم العِنان ليقول كل ما عنده، وليأخذه إلى جانبه، لا بما يكره، بل بما يحب. وقد علَّم الله تعالى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كيف يردُّ عليهم ويجادلهم الجدل الهادىء بالتي هي أحسن. فحين قالوا عنه مفتر، وعن القرآن مُفترىً ومكذوب ردّ عليهم:{أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ}[يونس: ٣٨] .
ثم يترقَّى في جدالهم:{أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ إِنِ افتريته فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تُجْرِمُونَ}[هود: ٣٥] وفي آية أخرى يرد عليهم: {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}[سبأ: ٢٤] .
وهل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يعرف مَنْ على الهدى ومَنْ على الضلال؟ لا شكَّ أنه إرخاء العِنان للخصم، يقول لهم: أنا وأنتم على طَرَفي نقيض: أنا أقول بإله واحد وأنتم تُكِّذبون قولي، فأنا متناقض معكم في هذه القضية، والقضية لا بُدَّ أن تأتي على شكل واحد، فإمَّا أنا على الهدى، وإمّا أنتم، وأنا لا أدّعي الحق لنفسي.