إذن: المطلوب أنْ تُعمِلوا عقولكم لِتُميِّزوا مَنْ مِنّا على الهدى ومَنْ منّا على الضلال، وكأن رسول الله يرتضي حكومتهم في هذه المسألة، وما ترك لهم رسول الله الحكمَ إلا وهو واثق أنهم لو تجردوا من الهوى لعرفوا أن الحق معه، وأنه على الهدى، وأنهم على الضلال.
إذن: عندما تكلم القرآن عن كفار قريش الذين تعنتوا في اقتراحاتهم، وعاندوا وآذوا رسول الله بكل أنواع الإيذاء، ومع ذلك حينما تكلم عنهم جاء بأسلوب عام فقال:(الذين) ولم يقل هؤلاء، بل جاء بالقضية العامة ولم يُواجههم بالجزاء مما يدلّ على التلطف في أمر الدعوة، وهذا نوع من استمالة الخَصْم لنقطع منه شراسة العداء والعناد.
لذلك يخاطب الحق تبارك وتعالى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ}[آل عمران: ١٥٩] كأنك لم تَلِنْ لهم بطبْعك؛ لأن عنادهم وأذاهم كان سيُرغم طبْعك على أن تكون قاسياً معهم ولكن رحمة الله شملتْك فَلِنْتَ لهم {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: ١٥٩] .
هذا يعني أن الداعية لا بُدَّ أن يكون رَحْب الصدر، رَحْب الساحة، ذلك لأنه يُخرِج أهل الضلال عما أَلِفوه إلى شيء يكرهونه، فلا تُخرجهم من ذلك بأسلوب يكرهونه، فتجمع عليهم شدتين، إنما تلطَّفْ معهم، كما قال عَزَّ وَجَلَّ لموسى وهارون عندما أمرهما بدعوة فرعون:{فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى}[طه: ٤٤] .
لأن الذي بلغ من عناده أنْ يتكبّر لا على المخلوقين أمثاله، إنما يتكبّر على الخالق فيدّعي الألوهية لا بُدَّ أنْ تأتيه بأسلوب ليِّن لطيف.
وفي آية أخرى يُعلِّم الحق سبحانه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كيف يجادل المشركين، فيقول سبحانه:{قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا}[سبأ: ٢٥]