يكون الواحد منهم قويا في كل شيء، إلا أنه ضعيف أمام مسألة واحدة، وضعفه أمام هذه المسألة الواحدة جعله يعصي الله بها وهو يحاول جاهداً في النواحي التي ليس ضعيفاً فيها أن يزيد كثيراً في حسناته، حتى يمحو ويذهب الله هذه بهذه. فالخير الشائع في الوجود ربما كان من أصحاب السيئات الذين أسرفوا على أنفسهم في ناحية من النواحي، فيشاء الله سبحانه وتعالى أن يجعلهم متجهين إلى نواحٍ من الخير قائلين: ربما هذه تحمل تلك.
لكن الذي يظل رتيباً هكذا لا تلذعه معصية ربما تظل المسائل فاترة في نفسه. ولذلك يجب أن ننظر إلى الذين أسرفوا على أنفسهم لا في زاوية واحدة، ولكن في زوايا متعددة، ونتأدب أمامهم وندعو الله أن يعفيهم مما نعرفه عنهم، وأن يبارك لهم فيما قدموه؛ ليزيل الله عنهم أوزار ما فعلوا.
وبعض العلماء يرى في قوله الحق:{فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} أن الله قد جعل المغفرة أمراً متعلقاً بالعابد لله، فإن شئت أن يغفر الله لك فاكثر من الحسنات حتى يبدل الله سيئاتك إلى حسنات. وإن شئت أن تعذب وهذا أمر لا يشاؤه أحد فلا تصنع الحسنات.
وهذه المسألة تجعلنا نعرف أن الحق سبحانه وتعالى حين يطلب منا الإيمان به فإنه يُملكنا الزمام. وبمجرد إيماننا به فنحن نتلقى منه زمام الاختيار، والدليل واضح في الحديث القدسي: عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني. إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأهم خيرٌ منهم وان تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلىّ ذراعا، تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هَرْوَلَةً» .
إذن فبمجرد إيمانك ملكك الله الزمام، فإن أردت أن يتقرب الله إليك ذراعا،