ولما علم الصِّدِّيق بحادثة الإسراء والمعراج بادر بالتصديق، ولم يتردد، ولما سُئل عن ذلك قال: إننا نصدقه في الأمر يأتي من السماء فكيف لا نصدقه في هذه، فإنْ كان قال فقد صدق.
إذن: فمقياس الصدق لديه أن يقول رسول الله؛ لذلك استحق الصِّديق هذا اللقب عن جدارة، حتى «إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليقول في حقه:» كنتُ أنا وأبو بكر في الجاهلية كفرسي رهان يعني: في خصال الخير فسبقتُه إلى النبوة فاتبعني، ولو سبقني لاتبعته «.
هذه كلها معانٍ نفهمها من قوله تعالى:{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ}[الشعراء: ١٠٦] .
وهذا معنى قوله تعالى:{لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ}[التوبة: ١٢٨] فهذه من حكمة الله في الرسل، وعجيب أن يقول أهل العناد من القوم: نريد ملكاً رسولاً، وأن يقفوا من رسول الله موقف العداء، وكان يجب عليهم على الأقل أن يُمكِّنوه من دعوته، ويُمكِّنوا عقولهم من أنْ تفهم لا أن تدخل في الأمر على هوى سابق.
فالذي يتعب الناس في استقبال الحق أن تكون قلوبهم مشغولة بباطل، والحق لا يجتمع مع الباطل ولا يضمهما محلٌّ واحد؛ لذلك إذا أردت أن تبحث في مسألة، فعليك أنْ تُخرِج من قلبك الباطل أولاً، ثم حكِّم عقلك في الأمر، واستفتِ قلبك فما سمح به فأدخله.
وهذه نراها حتى في الماديات، فالحيز الواحد لا يسع شيئين أبداً، يقولون: عدم تداخل، كما لو ملأت قارورة بالماء مثلاً، فقبل أن يدخل الماء لا بُدَّ أنْ يخرج الهواء، فنراه على شكل فقاعات.