لذلك يقول تعالى:{وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض}[المؤمنون: ٧١] .
ولك أن تلاحظ مثلاً زجاجة (الكولونيا) ذات الثُّقْب الضيق إذا وضعْتها في الماء، لا يمكن أن يدخلها الماء، لماذا؟ لأن ثقبها ضيق، لا يسمح بخروج الهواء أو دخول الماء.
ولأمر ما سُمِّي الهوى من الهواء، فكما أن الهواء الذي نُحِسُّه لو أتى من ناحية واحدة لمبنى أو جبل مثلاً لانهدم إلى الناحية الأخرى، لماذا؟ لأن الهواء هو الذي يتولّى حِفْظ توازن هذه المباني العالية وناطحات السحاب التي نراها، يحفظ توازنها حين يحيط بها من كل جهاتها، فإنْ فرّغتَ الهواء من أحدى الجهات انهدم المبنى في نفس هذه الجهة.
والهواء من القوى العظيمة التي يستخدمها الإنسان ويُحولِّها إلى طاقة، وانظر مثلاً إلى قوة تفريغ الهواء وما تُحدِثه من هزة عنيفة، أو إلى الحاويات والشاحنات العملاقة التي تسير على الهواء في عجلاتها، وكذلك الهوى إنْ كان في الباطل كان قوياً ومدمراً، ومن هذا المعنى سُمِّي السقوط هويّا، تقول: هَوَى الشيء يعني: سقط.
وقوله:{أَلاَ تَتَّقُونَ}[الشعراء: ١٠٦] هذه الكلمة جاءت على لسان كل الرسل أو يقولها الرسول أوَّلَ ما يبعث، ومعناها: اتقوا الله و (أَلاَ) أداة للخصِّ، والحثِّ على الفعل. كما تقول للولد المهمل: أَلاَ تذاكر أو هَلاَّ تذاكر.
وحين نحلل أسلوب الحضِّ أو الحثِّ نجد أنه يأتي على صورة التعجب من نفي الفعل، كما تقول للولد الذي لا يصلي وتريد أن تحثَّه على الصلاة: ألا تصلي؟ استفهام بالنفي وعندها يستحي الولد أن يقولها، لكن حين تستفهم بالإثبات: أتصلي؟ يقولها بفخر: نعم.