ويقول فيما لك فيه غريم:{وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ ... }[الشورى: ٤٣] فما دام قد ذكر المغفرة ودعاك إليها، فلا بُدَّ أن أمامك غريماً، ينبغي أنْ تصبر عليه، وأن تغفر له، والغريم يهيجني إلى المعصية وإلى الانتقام، فكلما رأيته أتميَّز غيظاً، فالصبر في هذه الحالة أشد ويحتاج إلى عزيمة قوية.
لذلك قال سبحانه:{وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور}[الشورى: ٤٣] ولم يقل كما في الأولى: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور}[لقمان: ١٧] إنما بصيغة التأكيد باللام (لَمِنْ) .
ويُعلِّمنا ربنا - تبارك وتعالى - كيف نعالج غَيْظ النفوس أمام الغريم، فيقول سبحانه:{والكاظمين الغيظ والعافين عَنِ الناس والله يُحِبُّ المحسنين}[آل عمران: ١٣٤] .
هذه مراحل ثلاث، تتدرج بك حسب ما عندك من استعداد للخير وقدرة على التسامح، فأولها: أن تكظم غيظك، وهذا يعني أن الغيظ موجود، لكنك تكتمه في نفسك، فإن ارتقيتَ عفوتَ بأن تُخرج الغيظ والغِلَّ من نفسك، كأن شيئاً لم يحدث، فإن ارتقيتَ إلى المرتبة الأعلى أحسنتَ؛ لأن الله تعالى يحب المحسنين، والإحسان أن تقدم الخير وتبادر به مَنْ أساء إليك، فتجعله رداً على إساءته.
ولا شكَّ أن هذه المراحل تحتاج إلى مجاهدة، فهي قاسية على النفس، وقلما تجد مَنْ يعمل بها؛ لذلك ما جعلها الله على وجه الإلزام، إنما ندب إليها وحثّ عليها، فإنْ أخذتَ بأْولاَها فلا شيء عليك؛ لأن الله تعالى أباح لك أن ترد الإساءة بمثلها، فإنْ كظمتَ غيظك فأنت على خير، وإن اخترتَ لنفسك الرقي في طاعة ربك، فنِعمْ الرجل أنت، ويكفيك {والله يُحِبُّ المحسنين}[آل عمران: ١٣٤] .