أحد» يعني: النجاشي ملك الحبشة، وفعلاً صدق فيه قول رسول الله، فلما أرسلتْ قريش في إثرهم مَنْ يكلم النجاشي في طلبهم وإعادتهم إلى مكة، رفض أن يسلمهم، وأن يُمكِّن قريشاً منهم، مع أن هدايا قريش كانت عظيمة، والإغراء كان كبيراً.
وهذا يدل على عظمة رسول الله، وعلى فكره الواسع، وعلى دراسة الخريطة من حوله، ومعرفة مَنْ يصلح لهجرة صحابته إليه، فاختياره ملك الحبشة لا يأتي إلا إما بإلهام من الله، أو بذكاء كبير، وهو رجل أمي في أمة أمية، ولو لم يذهب وفد قريش في طلب المهاجرين ما ظهر لنا الدليل على صدق مقولة رسول الله.
ونتيجة «لا يظلم عنده أحد» فقد شرَّفه الله بالإسلام فأسلم ووكَّله رسول الله في أن يُزوِّجه من السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت رَضِيَ اللَّهُ عَنْها من المهاجرين الأوائل إلى الحبشة مع زوجها الذي تنصَّر هناك، وبقيتْ هي على دينها وتمسكتْ بعقيدتها.
وفي هذا دليل أولاً: على مدى ما كان يلاقيه المؤمنون من إيذاء الكافرين، ثانياً: دليل على الطاعة الواعية للزوج، فقد آثرت الخروج مع زوجها لا عِشْقاً له، ولا هياماً به، إنما فراراً معه بدينها؛ لذلك لما تنصَّر لم تتردد في تركه؛ لذلك طلبها رسول الله لنفسه، ثم لما مات النجاشي صلى عليه رسول الله وترحَّم عليه. هذه هي هجرة الإيمان إلى دار الأمن.