للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم كانت الهجرة بعد ذلك إلى دار الإيمان، إلى المدينة، بعد بيعة العقبة الأولى والثانية، وبعد أن وجد رسول الله أنصاراً يتحملون معه أعباء الدعوة، وقد ضرب الأنصار في المدينة أروع مَثَل في التضحية التي ليس لها مثيل في تاريخ البشرية.

ذلك أن الرجل أغير ما يكون على زوجته، فلا يضِنّ على غيره بما يملك، فتعطيني سيارتك أركبها، أو بيتك أسكن فيه، أو ثوبك ألبسه، وأتقمَّش به، أما الزوجة فتظل مصونة لا يجرؤ أحد على النظر إليها.

لكن كان للأنصار في هذه المسألة نظرة أخرى حين أشركوا إخوانهم المهاجرين في كل شيء حتى في زوجاتهم، فقد راعوا فيهم خروجهم من أهلهم وبلادهم، وراعوا غربتهم وما لهم من إرْبة وحاجة النساء.

فكان الواحد منهم يقول لأخيه: انظر إلى زوجاتي، فأيتهنّ أعجبتك أُطلِّقها، وتتزوجها أنت، هذه تضحية لا نجد لها مثيلاً في تاريخ الناس حتى عند الكفرة.

ثم أُمِر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالهجرة إلى المدينة، فخرج خُفْية في حين خرج عمر مثلاً جهراً وعلانية، حتى إنه وقف ينادي في أهل مكة بأعلى صوته يتحدى أهلها عند خروجه: مَنْ أراد أنْ تثكله أمه، أو ييُتم ولده، أو تُرمَّل زوجته فليلْقني خلف هذا الوادي.

أما رسول الله فقد خرج خُفْية، وهذه المسألة يقف عندها البعض أو تَخْفي عليه الحكمة منها، فرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان دائماً أُسْوة للضعيف، أما القوي فلا يحتاج إلى حماية أحد، ولا عليه إنْ خرج علانية؛ لذلك لا يستحي أحد أن يتخفى كما تخفى رسول الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>