نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود: ٣٨] فهو يعلم عاقبتهم وما يُبيِّته الله لهم.
والحق سبحانه يعطينا هذه اللقطة من قصة نوح - عليه السلام - لكي نجول في كل اللقطات، ونستحضر مواطن العبرة فيها، وفي قصة نوح مسائل كثيرة نستفيدها، فقد كان القوم يعبدون الأصنام: وداً، وسواعاً، ويغوث، ويعوق، ونسراً، ومنها نعلم أن ودادة الأنبياء ودادة قيم ومنهج، وودادة أعمال واقتداء، وأن أنسابهم أنساب تقوى وورع.
فنبوّة نوح لم تمنع ولده الضالّ من الغرق، حتى بعد أنْ دعا الله:{رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق ... }
[هود: ٤٥] فيعطيه الله الحكم في هذه المسألة، ويُصحِّح له:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ... }[هود: ٤٦] .
وليس معنى ذلك أن أمه أتتْ به من الحرام والعياذ بالله؛ لأن الله تعالى ما كان ليُدلِّس على نبي من أنبيائه، إنما هي كانت من الخائنين، وخيانتها أنها كانت تفشي أسراره لخصومه، وتخبرهم خبره؛ لذلك يقول تعالى عنها في سورة التحريم:{ضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ ... }[التحريم: ١٠] .
ويُبيِّن الحق سبحانه العلة في قوله:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ... }[هود: ٤٦] بقوله: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ... }[هود: ٤٦] حتى لا تذهب بنا الظنون في زوجة نبي الله، فالعلة أنه عمل غير صالح، وبنوة الأنبياء بُنوَّة عمل، لا بُنوَّة نَسَب.