فالأولى للموت الكلي، والثانية للبعث الكلي، ولو نظرت إلى هاتين النفختين وما جعل الله فيهما من أسرار تلتقي بما في الحياة الدنيا من أسرار لوجدتَ عجباً.
فكل لحظة من لحظات الزمن يحدث فيها ميلاد، ويحدث فيها موت، فنحن مختلفون في مواليدنا وفي آجالنا، أما في الآخرة فالأمر على الاتفاق، فالذين اختلفوا في المواليد سيتفقون في البعث {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ}[يس: ٥٣] .
والذين اختلفوا في الموت سيتفقون في الخمود:{إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}[يس: ٢٩] فالميلاد يقابله البعث، والموت يقابله الخمود. إذن: اختلاف هذه يعالج اتفاق هذه، واتفاق هذه يعالج اختلاف هذه؛ لذلك يقول:{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع ... }[التغابن: ٩] .
والنفخة الثانية يؤديها إسرافيل بأمر الله؛ لأن الحق - سبحانه وتعالى - يزاول أشياء بذاته، ولا نعلم منها إلا أنه سبحانه وتعالى خلق الإنسان وسَّواه بيده، كما قال سبحانه:{ياإبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ... }[ص: ٧٥] أما غير ذلك فهو سبحانه يزاول الأشياء بواسطة خَلْقه في كل مسائل الكونيات.
تأمل مثلاً:{الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا ... }[الزمر: ٤٢] فالمتوفِّي هنا الله عَزَّ وَجَلَّ، وفي موضع آخر:{قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ ... }[السجدة: ١١] فنقلها إلى ملَك الموت، وفي موضع آخر:{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ... }[الأنعام: ٦١] فنقلها إلى رسل الموت من الملائكة، وهم جنود لملَك الموت.