ثم يقول سبحانه:{وَلَهُ المثل الأعلى فِي السماوات والأرض ... }[الروم: ٢٧] له المثل الأعلى يعني: أن الله تعالى لا مثيل له، فإنْ شابهه سبحانه شيء من خَلْقه في صفة من الصفات فخُذْها في إطار التقريب للمعنى، وفي إطار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ... }[الشورى: ١١] فلك وجود لله تعالى وجود، لكن وجودك ليس كوجود الله، أنت حَيٌّ والله حَيٌّ، لكن حياتك ليست كحياته عَزَّ وَجَلَّ. . وهكذا.
وقوله {المثل الأعلى ... }[الروم: ٢٧] نقول: عالٍ وأعلى، فهي أفعل تفضيل بمعنى: الذي لا يُشابه ولا يُضاهي؛ لذلك يقول سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ... }[الشورى: ١] فينفي أن يوجد شبيه لمثل الله لا شبيه لله؛ لأن الكاف هنا بمعنى: مثل. فكأنك قلت: ليس مِثْل مِثْله شيء.
وطريقة العرب في الأداء في مسألة المشابهة يقولون: زيد مثل الأسد في الشجاعة، فأنت تريد أن تعطيني صورة لشجاعة زيد، فذكرت أوضح شيء لهذه الصفة وهو الأسد، فهو مُشبَّه به.
إذن: فالأسد أقوى من زيد في هذه الصفة، وإلا لما جعلتَ المشبّه به توضيحاً لما لا تعلم.
فحين تقول:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ... .}[الشورى: ١] تعني: إنْ وُجد مِثْل لله لا يوجد مثل لهذا المثْل، فنفيتَ المثل من باب أَوْلَى؛ لأن الأضعف وهو المثل المشبه أضعف من المشبه به، فإذا كان المثل أضعف من الممثَّل ولا يوجد مثل للأضعف، فكيف يوجد مثل للأقوى؟
وانظر إلى جمال الحق سبحانه حين يُجلِّي للخَلْق مثَلاً في دنياهم، ويجعل من ذاته - سبحانه وتعالى - المماثلة، يقول تعالى ليُقرِّب لأفهامنا كيفية نوره: {الله نُورُ السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ