فالله - سبحانه وتعالى - يضرب المثَل لنوره بالمشكاة، السطحيون يظنون أن المشكاة هي المصباح، لكن الله يقول {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ... }[النور: ٣٥] والمشكاة تجويف في الحائط، مثل الطاقة غير نافذة، فإنْ كانت نافذة نسميها شباكاً، وكانوا في الماضي يضعون المصباح في هذه الفجوة ليضيء الحجرة، والفجوة هذه أو المشكاة تجمع الضوء وتُقوِّيه؛ لذلك يكون الضوء فيها أقوى من ضوء الحجرة، أو: أن المصباح يستوعب المشكاة أكثر من استيعابه للحجرة كلها.
وبتأمل هذا المعنى نرى أن الحق سبحانه لا يضرب لنا مثَلاً لنوره إنما لتنويره، فتنوير الله تعالى مِثْل المشكاة التي فيها المصباح، والمصباح يدلُّ على الرقي في وسائل الإضاءة، فدونه مثلاً الشعلة، وهو فتيل يُوقَد في الهواء ويكون له دخان أسود، أما المصباح فله زجاجة تحجز عنه الهواء إلا بقدر ما يكفي لاحتراق الفتيل، فيأتي الضوء منه صافياً.
ثم هو فضلاً عن ذلك في زجاجة ليست عادية، إنما {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ... }[النور: ٣٥] أي: مثل الدرة التي تضيء بذاتها، هذا المصباح يُوقَد من شجرة زيتونة معتدلة المزاج {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ... }[النور: ٣٥] فتصوُّر هذا المصباح في مكان ضيق لا في الحجرة كلها، إنما في المشكاة كيف يكون ضوؤه؟
كذلك تنوير الله - سبحانه وتعالى - للسماوات والأرض على سعتهما، فنوره تعالى يستوعبهما، لا يترك منهما مكاناً مظلماً كالطاقة بالنسبة لهذا المصباح الذي وصفنا.