للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهذا المثل قصة شهيرة في الأدب العربي، فقد فطن إليها أبو تمام في مدحه أحد الخلفاء، وحين أراد أنْ يجمع له مَلَكات العرب ومواهبهم من الجود والشجاعة والحِلْم والذكاء، قال مادحاً:

إقْدَامُ عَمْروٍ في سَمَاحَةِ حَاتمٍ ... وفي حِلْم أحْنفَ في ذَكاءِ إيَاسِ

وقد اشتهر عمرو بن معدي كرب بالشجاعة والإقدام، واشتهر حاتم الطائي بالكرم، وأحنف بن قيس بالحلم حتى قيل «أحلم العرب» فلا يُغضِبه شيء أبداً، ولا يُخرجه عن حِلْمه، حتى أن جماعة قصدوا أنْ يخرجوه عن حِلْمه، فتكون سابقة لهم فتبعوه في الطريق، وأخذوا يهزءُون به وهو يضحك، حتى قارب من الحي، فنظر إلى هؤلاء الفتية وقال: أيها الفتية، لقد قربنا من الحيِّ، فإنْ كان في جوفكم استهزاء بي فافرغوا منه؛ لأنهم لو ظفروا بكم لقتلوكم.

أما إياس بن معاوية فكان مَضْرب المثَل في الذكاء، وهكذا جمع أبو تمام لممدوحه خلاصة ما تعرفه العرب من مواهب. وهنا قام له واحد من خصومه وقال: أتُشبِّه الخليفة بأجلاف العرب، فمَنْ يكون هؤلاء إذا ما قُورِنوا بأمير المؤمنين؟

وهذا الاعتراض مأخوذ من قول الشاعر:

وشَبَّهه المدَّاحُ في البَأْسِ والنَّدَى ... بمَنْ لوْ رآهُ كانَ أصْغر خَادمِ

فَفِي جيشه خَمسُونَ ألفاً كَعنترٍ ... وأَمْضَى وفي خُدَّامهِ ألفُ حاتمِ

فلما قيل لأبي تمام: كيف تشبه الخليفة بأجلاف العرب أحجم هنيهة ثم رفع رأسه، وقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>