للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه الحالة أنْ يسأل الناس، وما رأينا أحداً مات جوعاً.

لكن ينبغي على الفقير إنْ ألجأتْه الحاجة للسؤال أنْ يسأل بتلطُّف ولين، فإنْ كان جائعاً لا يسأل الناس مالاً إنما لقمة عيش وقطعة جبن أو ما تيسَّر من الطعام ليسُدّ جَوْعته، وسائل الطعام لا يكذبه أحد لأنه لا سأل إلا عن جوع، حتى لو سألك وهو شبعان فأعطيتَه ما استطاع أنْ يأكل، أما سائل المال فقد نظن فيه الطمع وقصد الادخار. إذن: أفضح سؤال سؤال القوت.

لذلك في قصة الخضر وموسى عليهما السلام: {فانطلقا حتى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ استطعمآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا. .} [الكهف: ٧٧] فلما منعوهم حتى لقمة العيش استحقُّوا أنْ يوصفوا بألأَم الناسِ، وقد أباح الشرع للجائع أن يسأل الطعام من اللئيم فإن منعه فللجائع أن يأخذه ولو بالقوة، وإذا رفع أمره إلى القاضي أيَّده القاضي، لذلك يقولون فيه: طالب قُوتٍ ما تعدَّى.

والحق سبحانه تكفَّل لك برزقك، إنما جعل للرزق أسباباً وكل ما عليك أنْ تأخذ بهذه الأسباب ثم لا تشغل بالك هماً في موضوعه، وإيالك أن تظن أن السَّعْي هو مصدر الرزق، فالسعي سبب، والرزق من الله، وما عليك إلا أنْ تتحرى الأسباب، فإنْ أبطأ رزقك فأرحْ نفسك؛ لأنك لا تعرف عنوانه، أمّا هو فيعرف عنوانك وسوف يَأتيك يطرق عليك الباب.

والذي يُتعب الناس أنْ يظل الواحد منهم مهموماً لأمر الرزق مُفكِّراً فيه، ولو علم أن الذي خلقه واستدعاه للوجود قد تكفَّل برزقه لاستراح، فإنْ أخطأت أسباب الرزق في ناحية اطمئن فسوف يأتيك من ناحية أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>