لكن الكلام عن الإنسان المفرد لا يكفي لإثبات الظاهرة؛ لأن الإنسان الواحد يمكن أن يستذل أمام ربه، ويعود إليه بعد أنْ تجرَّأ على معصيته، يكون ذلك بينه وبين نفسه، فلا يفضح نفسه أمام الناس، فأراد سبحانه أنْ يثبت هذه المسألة عند الناس جميعاً؛ ليفضح بعضهم بعضاً، فذكر هنا {وَإِذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ... }[الروم: ٣٣] .
وفي آية أخرى:{فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: ٦٥] .
فجاء بصيغة الجمع ليفضح الكافرين بعضهم أمام بعض، وقد يكون في هؤلاء الداعين مَنْ كان يُؤلّبهم على الله، ويصرفهم عن الإيمان به، وها هو الآن يدعو ويتضرع، وحين يُفتضح أمرهم يكون ذلك أَدْعى لاستقامتهم وأدعى ألاَّ يتكبر أحد على أحد.
لذلك قلنا في ميزات الصلاة أنها تُسوِّي بين الناس، فيجلس الرجل العادي بجوار مَنْ لم يكُن يُؤْمَل أنْ يجلس بجواره، ويجده خاضعاً معه مطاوعاً للإمام. . الخ ففي الصلاة، الجميع سواء، والجميع منتفع بهذه المساواة، آخذ منها عبرة، فلا يتكبر بعدها أحد على أحد.