ونقف هنا عند {مَسَّ ... }[الروم: ٣٣] وهو اللمس الخفيف، فالمعنى مسَّهم اليسير من الضر، ومع ذلك ضاقتْ أسبابهم عن دفعه، وضَجُّوا يطلبون الغَوْث.
وكلمة {أَذَاقَهُمْ ... }[الروم: ٣٣] الذوق حاسة من حواس الإنسان يُحِسُّ بها الطعام عند مروره على منطقة معينة في اللسان، فإذا ما تجاوز الطعامُ هذه المنطقةَ لا يشعر الإنسان بطعمه.
إذن: فَلذَّة الطعام مقصورة على هذه المنطقة في الفم، والتذوق أقوى انفعالات النفس في استقبال المذاق؛ لذلك يقولون في الأمثال (اللي يفوت من اللسان بقي نتان) .
وتأمل، كيف استعمل الحق سبحانه الإذاقةَ في مجال العذاب حبن ضرب لنا هذا المثل:{وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[النحل: ١١٢] .
فذكر الإذاقة مع أن اللباسَ يستوعب الجسم كله، وكذلك الجوع والخوف، فكل منهما إحساس يستولي على الإنسان كله، ومع ذلك قال {فَأَذَاقَهَا ... }[النحل: ١١٢] لأن الإذاقة أقوى أنواع الإدراك.
وكلمة {مِّنْهُ ... }[الروم: ٣٣] أي: من الله تعالى، يعني بلا أسباب، أو {أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ ... }[الروم: ٣٣] أي: بدَّل الضر برحمة، وخلَّصهم من الضُّرِّ برحمة، كما أن الإذاقة وإنْ دلَّتْ على الانفعال الشديد للمستقبل، فإنها أيضاً تدلُّ على التناول الخفيف بلُطْف، كما تقول: