ثم يقول سبحانه:{فانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلُ ... }[الروم: ٤٢] فالسير في الأرض يكون إما للسياحة والتأمل في آيات الله في كونه، لذلك يستخدم فيها الفاء {فانظروا ... }[الروم: ٤٢] أو يسير في الأرض لطلب الرزق.
وفي آية أخرى:{قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض ثُمَّ انظروا ... }[الأنعام: ١١] والمعنى: سيروا في الأرض للاستثمار، وطلب القوت، وقضاء المصالح، لكن لا يفوتكم النظر والتأمل في آيات الله وفي مخلوقاته لتأخذوا منها العبرة والعظة.
ومعنى:{كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلُ ... }[الروم: ٤٢] أي الذين ظهر الفساد بينهم، فأذاقهم الله الألم بما كسبتْ أيديهم، فهذه ليست عندك وحدك، إنما حدثتْ في الأمم السابقة، كما قال سبحانه:{وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ}[الصافات: ١٣٧] .
فهناك مدائن صالح والأحقاف وعاد وثمود والفراعنة. . إلخ انظر ما حلَّ بهم بعد الحضارة والنضارة، بعد ما توصلوا إليه من علم التحنيط الذي لم يعرف العلم أسراره حتى الآن، ويضعون مع جثث الموتى حبوب القمح أو الشعير، فتظل على حالها، بحيث إذا زُرِعت بعد آلاف السنين تنبت.
إنها قدرة علمية فائقة، ومع ذلك ما استطاعت هذه الحضارة أن تحمي نفسها من الاندثار، وإذا كان القرآن قد قال عن الحضارة الفرعونية {وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد}[الفجر: ١٠] فقد قال عن إرم {التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد}[الفجر: ٨] .