فقولهم {مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ ... }[الروم: ٥٥] أي: الساعة الزمنية التي نعرفها، والزمن له مقاييس: ثانية، ودقيقة، وساعة، ويوم، وأسبوع، وشهر، وسنة، وقرن، ودهر، وهم يقصدون الساعة الزمنية المعروفة لنا.
إذن: فهم يُقلِّلون مدة مُكْثهم في الدنيا أو في القبور لما فاجأتهم القيامة، وقد أخبرناهم وهم في سَعَة الدنيا أن متاع الدنيا قليل، وأنها قصيرة وإلى زوال، فلم يُصدّقوا والآن يقولون: إنها كانت مجرد ساعة، ولم يقولوا حتى شهر أو سنة، فكيف تستقل ما سبق أن استكثرته، وظننتَ أنك خالد فيه حتى قلتَ
ففي الدنيا كذَّبتم وأنكرتم، ولم تستجيبوا لداعي الإيمان، أما الآن في الآخرة فسوف تستجيبون استجابة مصحوبة بحمده تعالى، كما قال سبحانه:{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ... }[الإسراء: ٥٢] أي: تقولون الحمد لله والإنسان لا يحمد إلا على شيء محبوب.
ثم يقول سبحانه:{كَذَلِكَ ... }[الروم: ٥٥] أي: كهذا الكذب {كَانُواْ يُؤْفَكُونَ}[الروم: ٥٥] والإفك من أَفك إفكاً، أي: صرف الشيء عن وجهه؛ لذلك سُمِّي الكذب إفكاً؛ لأن الكاذب يخبر بقضية تخالف الواقع، فيأتي بها على غير وجهها، أو يُوجِدها وهي غير موجودة، أو ينكر وجودها.
ومنه قوله تعالى:{والمؤتفكة أهوى}[النجم: ٥٣] وهي القرى التي قلبها الله، فجعل عاليها سافلها.
فقوله {كَذَلِكَ ... }[الروم: ٥٥] أي: كهذا الإفك كانوا يُؤْفكون، يعني: يكذِّبون الرسل في الحقائق التي جاءوا بها من قِبلَ ربهم.