للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم هناك شكر آخر، لا على ما فات، لكن شكر هو في ذاته نعمة جديدة، وتأمل في ذلك قول الله تعالى:

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الفلك بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ. .} [الروم: ٤٦] هذه كلها نِعَم يعطف عليها بقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الروم: ٤٦]

فعطف الشكر على النعم السابقة يعني أنه في ذاته نعمة، وإلا لقال كما في الآية السابقة {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: ٧٨]

والشكر بهذا المعنى هو المراد في قوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ. .} [إبراهيم: ٧] فهذا شكر لما سبق، وهذا شكر لما هو آتٍ.

والشكر في قوله تعالى: {أَنِ اشكر للَّهِ. .} [لقمان: ١٢] مُوجه إلى الله تعالى، فكيف إذا توجه الشكر في أسباب تناوله إلى غير الله، كأنْ تشكر صاحبك الذي قدم لك معروفاً مثلاً؟ قالوا: لو تأملتَ شكر غير الله ممن قدَّم لك معروفاً يستوجب الشكر لوجدته يؤول إلى شكر الله في النهاية.

لذلك قالوا: لا تشكر الله إلا حين تشكر مَنْ ساق لك الجميل على يديه، يعني: جعله سبباً في قضاء حاجتك، ثم إن الذي قدَّم لك جميلاً، ما قدّمه لك وما آثرك على نفسه إلا لأن الله أمره بذلك، ودعاه إليه. وأثابه على فعله، فإذا سلسلتَ الشكر لانتهى إلى شكر الله تعالى.

ثم يقول سبحانه: {وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان: ١٢] علمنا أن الشكر لله هو أول الحكمة، فلماذا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>