إذن فليس كل ما فعله الكفار كان مرفوضا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ولكن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قبل تطبيق كل الأعمال النافعة، سواء أكان قد فعلها الكفار من قبل أم لا، ورأى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن عملية الحفر مرهقة بسبب جمود الأرض وصخريتها في بعض المواقع، لذلك وضع حصة قدرها أربعون ذراعا لكل عشرة من الصحابة، وبذلك وزع الرسول الكريم العمل والمسئولية، ولم يترك الأمر لكل جماعة خشية أن يتواكلوا على غيرهم.
وتوزيع المسئولية يعني أن كل جماعة تعرف القدر الواضح من العمل الذي تشارك به مع بقية الجماعات وقد يسأل سائل: ولماذا لم يوزع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ التكليف لكل واحد بمفرده؟ ونقول: إنها حكمة الإدارة والحزم هي التي جعلت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يتعرف على حقيقة واضحة، وهي أن الذين يحفرون من الصحابة ليسوا متساوون في القدرة والمجهود، لذلك أراد لكل ضعيف أن يكون مسنودا بتسعة من الصحابة.
إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يجعل الأمر مشاعا، بل كان هناك تحديد للمسئولية، لكنه لم يجعل المسئولية مشخصة تشخيصا أوليا ومحددا بكل فرد، وذلك حتى يساعد الأقوياء الضعيف من بينهم. لقد ستر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الضعيف بقوة إخوانه، وساعة أن يوجد ضعيف بين عشرة من الإخوان يحملون عنه ويحفرون، فإن موقفه من أصحابه يكون المحبة والألفة، ويكون القوي قد أفاض على الضعيف.
وكان عمرو بن عوف ضمن عشرة منهم سلمان الفارسي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فلما جاءوا ليحفروا صادفتهم منطقة يقال عنها:«الكئود» ، ومعنى «الكئود» هي المنطقة التي تكون صلبة أثناء الحفر، فالحافر إذا ما حفر الأرض قد يجد الأرض سهلة ويواصل الحفر، أما إذا صادفته قطعة صلبة في الأرض فإنه لا يقدر عليها بمعوله لأنها صخرية صماء، فيقال له:«أكدى الحافر» .
وعندما صادف عمرو بن عوف وسلمان الفارسي والمغيرة وغيرهم هذه الصخرة الكئود، قالوا لسلمان:«اذهب فارفع أمرنا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» . ومن هذا نتعلم درسا وهو أن المُكلّفَ مِنْ قِبَل مَنْ يكلفه بأمر إذا وجد شيئا يعوقه عن أداء المهمة فلا بد أن يعود إلى من كلفه بها.
وذهب سلمان إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وحضر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ