للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذين القولْين؛ لأن الله تعالى قال: {وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النبي أَن يَسْتَنكِحَهَا ... } [الأحزاب: ٥٠] فربما وهبَتْ نفسها للنبي، لكنه لم يُرِد، أو وهبتْ نفسها للنبي، فأراد أنْ يكرمها، وأنْ يجعل لها مهراً ويتزوجها.

وكلمة {يَسْتَنكِحَهَا ... } [الأحزاب: ٥٠] مثل ينكحها، فهما بمعنىً واحد، مثل: عَجِل واستعجل.

ومعنى {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين ... } [الأحزاب: ٥٠] أن الله تعالى خَصَّ رسوله بأشياء ميَّزة بها؛ لأن مهمته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليستْ مع نفسه هو، إنما مهمته مع الناس جميعاً، وليس للناس المعاصرين له فحسب، إنما جميع الناس حتى قيام الساعة.

إذن: فمشغولياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كثيرة كبيرة، كما قال سبحانه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل: ٥] .

لذلك أراد الحق سبحانه ألاَّ يشغله شيء عن مهمته هذه، وأراد أنْ يتوفر رسول الله لأداء هذه المهمة التي هو بصددها، بحيث إذا ما عشق عملية البلاغ عن الله واندمج فيها ومعها تموت في نفسه كلُّ الأهواء، ولا يبقى إلا انشغاله بمهمة الدعوة.

بدليل أن الوحي في أوله كان يجهد سيدنا رسول الله، وكان جبينه يتفصَّد عرقاً، ويذهب إلى أهله فربما يقول: زَمِّلوني زمِّلوني، ودثِّروني دثِّروني، ثم شاء الله تعالى أنْ يرفع عنه هذه المعاناة، وأنْ يريحه مما أنقض ظهره وأتعبه، ففتر الوحي فترة عن رسول الله حتى استراحتْ أعصابه، وهدأتْ طاقته، وبقيت معه حلاوة ما أوحي إليه هذه الحلاوة التي جعلتْ سيدنا رسول الله يتشوَّق للوحي من جديد، وشوقك إلى الشيء يُنسِيك التعب في سبيله.

<<  <  ج: ص:  >  >>