لذلك قال تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله ... }[الأحزاب: ٥٣] أي: بمخالفة ما جاء به، أو بأنْ تتهموه بما ليس فيه، أو تتعرَّضوا له بإيلام حسي، ثم لم يخص من ألوان الإيذاء إلا مسألة الأزواج، فقال:{وَلاَ أَن تنكحوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً ... }[الأحزاب: ٥٣] وذكر هذه المسألة بالذات صراحةً مراعاة لطبيعة النفس البشرية، فقد قلنا: إن الرجل يمكن أن يتجمل على أصحابه أو أحبابه بأغلى ما يملك، لكنه أبداً لا يقبل أن ينظر أحد إلى زوجته، يحميها ويغَارُ عليها من مجرد النظر.
لذلك فإن سيدنا حذيفة، وكان يحب امرأته، فقال لها: ألاَ تحبين أن تكوني معي في الجنة؟ فقالت: بلى، فقال لها: إذن إذا متُّ فلا تتزوجي بعدي - فهو يغار عليها حتى بعد موته - لأني سمعت رسول الله يقول:
«المرأة لآخر أزواجها» .
لكن هذا الحديث وُوجه بحديث آخر «لما سُئِل رسول الله: أيُّ نساء الرجل تكون معه في الجنة؟ فقال:» أحسنهن خلُقاً معه «» .
وقد رأى البعض تعارضاً بين هذين الحديثين، والواقع أنه ليس بينهما تعارض، لأن الآخرية هنا لا يُراد بها آخرية الزمن، إنما آخرية الانتقال، كما لو تمتعت برحلة جميلة مع أحد الأصدقاء منذ عشرين سنة، فلما ذكَّرته بها قال: كانت آخر متعة، مع أنك تمتعت بعدها برحلات أخرى.