للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالمعنى: تكون لآخر أزواجها في المتعة، وإن كان مُتقدِّماً بحُسْن الخلق، إذن: فالمعنيان متفقان، لا تعارض بينهما.

ومسألة غَيْرة الرجل على المرأة لها جذور في تاريخنا وأدبنا العربي، ومن ذلك قول الشاعر:

أَهِيمُ بِدَعْدٍ مَا حيَيتُ فإن أَمُتْ ... فوَا أسَفَي مَنْ ذَا يهيمُ بهَا بَعْدي

فهو مشغول بها حتى بعد أنْ يموت، لكن يُؤْخذ عليه أنه شغل بمن يحل محله في هيامه بمحبوبته؛ لذلك كان أبلغ منه قَوْل الآخر:

أَهِيمُ بدَعْدٍ مَا حَييتُ فإن أَمُتْ ... فَلاَ صَلُحَتْ دَعْدٌ لذِي خُلَّةٍ بَعْدي

إذن: فهذه الغيرة مراتب ودرجات.

ويُحدِّثنا التاريخ أن أحد الخلفاء العباسيين - أظنه الهادي - كان يحب جارية اسمها غادر، ولشدة حبه لها قالوا إنه تزوجها، وفي خلوة من خلوات الهيام والعِشْق قال لها: عاهديني - لأن صحته لم تكُنْ على ما يرام - إذا أنا مِتُّ أن لا تتزوجي بعدي، وفعلاً أعطتْه هذا العهد، فلما مات الهادي لم تلبث أن نسيَتْ غادر عشقها للهادي، ونسيتْ حُزْنها عليه - وهذا من رحمة الله بنا أن كل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبر إلا المصائب، فإنها تبدأ كبيرة ثم تصغر.

بعدها تزوجت غادر من أخي الهادي، وفي يوم من الأيام استيقظت فَزِعة صارخة، حتى اجتمع عليها مَنْ في القصر، وسألوها: ماذا بك؟ قالت: جاءني الهادي في المنام، وقال لي:

خَالَفْتِ عَهْدِي بَعْدَمَا ... جَاوَرْتُ سُكَّانَ المقَابرْ

ونكحْتِ غادرةً أخِي ... صَدَق الذِي سَمَّاكِ غَأدِرْ

<<  <  ج: ص:  >  >>