إن الحق يقول:{وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[الذاريات: ٤٩] .
وعندما يجتمع الزوجان، فهذه هي الصورة الكاملة، وهذه الأولى في القسمة المنطقية والتصور العقلي، وإما أن ينعدم الزوجان فهذه هي الثانية في القسمة المنطقية والتصور العقلي.
أو أن ينعدم الزوج الأول ويبقى الطرف الثاني، وهذه هي الثالثة في القسمة المنطقية والتصور العقلي، أو أن ينعدم الزوج الثاني ويبقى الطرف الأول، وهذه هي الرابعة في القسمة المنطقية والتصور العقلي.
تلك إذن أربعة تصورات للقسمة العقلية. وجميعنا جاء من اجتماع العنصرين، الرجل والمرأة. أما آدم فقد خلقه الله بطلاقة قدرته ليكون السبب. وكذلك تم خلق حواء من آدم. وأخرج الحق من لقاء آدم وحواء نسلا. وهناك أنثى وهي مريم ويأتي منها المسيح عيسى ابن مريم بلا ذكر. وهذه هي الآية في العالمين، وتثبت قمة عقدية. فلا يقولن أحد: ذكراً، أو أنثى، لأن نية امرأة عمران في الطاعة أن يكون المولود ذكرا، وشاء قدر ربكم أن يكون أسمى من تقدير امرأة عمران في الطاعة، لذلك قال:{وَلَيْسَ الذكر كالأنثى} . أي أن الذكر لن يصل إلى مرتبة هذه الأنثى.
وقالت امرأة عمران:{وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم} . إن امرأة عمران قالت ما يدل على شعورها، فحينما فات المولودة بأنوثتها أن تكون في خدمة بيت الله فقد تمنت امرأة عمران أن تكون المولودة طائعة، عابدة، فسمتها «مريم» لأن مريم في لغتهم - كما قلنا - معناها «العابدة» .
وأول ما يعترض العبودية هو الشيطان. إنه هو الذي يجعل الإنسان يتمرد على العبودية. إن الإنسان يريد أن يصير عابدا، فيجيء الشيطان ليزين له المعصية. وأرادت إمرأة عمران أن تحمي ابنتها من نزغ الشيطان لأنها عرفت بتجربتها أن المعاصي كلها تأتي من نزغ الشيطان، وقد سمتها «مريم» حتى تصبح «عابدة لله» ، ولأن إمرأة عمران كانت تمتلك عقلية إيمانية حاضرة وتحمل المنهج التعبدي كله لذلك قالت:{وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم} .