إن المستعاذ به هو الله، والمستعاذ منه هو الشيطان، وحينما يدخل الشيطان مع خلق الله في تزيين المعاصي، فهو يدخل مع المخلوق في عراك، ولكن الشيطان لا يستطيع أن يدخل مع ربه في عراك، ولذلك يقال عن الشيطان إنه إذا سمع ذكر الله فإنه يخنس أي يتراجع، ووصفه القرآن الكريم بأنه «الخنَّاس» ، إن الشيطان إنما ينفرد بالإنسان حين يكون الإنسان بعيدا عن الله، ولذلك فالحق يُعَلِّمُ الإنسان:{وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأعراف: ٢٠٠] .
إن الشيطان يرتعد فرقا ورعشة من الإستعاذة بالله. وعندما يتكرر ارتعاد الشيطان بهذه الكلمة؛ فإنه يعرف أن هذا الإنسان العابد لن يحيد عن طاعة الله إلى المعاصي. وقد علمنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كيف يجيء الرجل امرأته، ومجيء الأهل هو مظنة لمولود قد يجيء، فيقول العبد:«اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني»(من دعاء الرسول) .
إن من يقول هذا القول قبل أن يحدث التخلق «فلن يكون للشيطان ولاية أو قدرة على المولود الذي يأتي بإذن الله. ولذلك قالت إمرأة عمران:{وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم} . والذرية قد يفهمها الناس على أنها النسل المتكاثر، ولكن كلمة» ذرية «تطلق على الواحد وعلى الاثنين، وعلى الثلاثة أو أكثر. والذرية هنا بالنسبة لمريم عليها السلام هي عيسى عليه السلام، وتنتهي المسألة. وبعد دعاء إمرأة عمران {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم} يجيء القول الحق: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ... }