وأوضح عيسى ابن مريم بما لا يقبل الجدل:«أنا معكم سواء في مربوبيتنا إلى إله واحد، وأنا لم أجيء لأعلمّكم لأني تميزت عنكم بشيء. فيما يتعلق بالعبادة نحن سواء، فالله رب لي ورب لكم، والصراط المستقيم هو عبادة الله الحق.
ونحن ساعة نسمع» الصراط المستقيم «فإننا نتخيل على الفور الطرق الموصلة إلى الغاية، ونعرف جميعا أنه لا يوجد طريق في الحياة مصنوع لذات الطريق، إنما الطريق يصنع ليوصل إلى غاية. وساعة تسمع» صراط «فإننا نفهم على الفور الغاية التي نريد أن نصل إليها. والحق سبحانه يقول:{وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: ١٥٣] .
وما دام هناك طريق لغاية ما فلا بد أن نحدد الغاية أولا، وتحديد الغاية إنما يهدف إلى إيضاح السبيل أمام الإنسان ليسلك الطريق الموصل إلى تلك الغاية. وهكذا يقول الحق على لسان عيسى ابن مريم:{إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} .
والعبادة هي إطاعة العابد لأمر المعبود، وهكذا يجب أن نفطن إلى أن العبادة لا تقتصر على إقامة الأركان التعبدية في الدين من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، إن هذه هي أركان الإسلام ولا يستقيم أن ينفصل الإنسان المسلم عن ربه بين أوقات الأركان التعبدية، إن الأركان التعبدية لازمة، لأنها تشحن الطاقة الإيمانية للنفس حتى تقبل على العمل الخاص بعمارة الدنيا، ويجب أن نفطن إلى أن العبادة في الدنيا هي كل حركة تؤدي إلى إسعاد الناس وعمارة الكون.
ويجب أن نعرف أن الأركان التعبدية هي تقسيم اصطلاحي وضعه العلماء في الفقه كباب العبادات وباب المعاملات، لكن علينا أن نعرف أن كل شيء يأمر به الله اسمه» عبادة «. إذن فالعبادة منها ما يصل العبد بالمعبود ليأخذ الشحنة الإيمانية من خالقه، خالق الكون، ومنها ما يتصل بعمارة الكون. ولذلك قلنا: إنك حينما