تتقبل من الله أمرا بعبادة ما، فأنت تتلقاه وأنت موصول بأسباب الله بحثا عن الرزق وغير ذلك من أمور الحياة، والمثل الواضح لذلك هو قول الحق:{ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[الجمعة: ٩] .
إن هذا الأمر بالصلاة الجامعة يوم الجمعة يخرج بالإنسان من أمر البيع، وهذا الأمر بالصلاة لم يأخذ الإنسان من فراغ، إنما أخذ الإنسان من عمل، هو البيع.
. ولو نظرنا إلى دقة الأداء في البيع لوجدناها قمة الأخذ المباشر للرزق. إن كلام الله يصل في دقته إلى ما لا يصل إليه كلام بشر، فلم يقل الله مثلا «اتركوا الصنعة»«اتركوا الحرث» ولكن الحق جاء بالبيع هنا لأنه قمة النفعية العاجلة.
إن الذي يحرث ويزرع ينتظر وقتا قد يطول حتى تنضج الثمار، لكن الذي يبيع شيئا، فإنه ينال المنفعة فوراً، لقد جاء الأمر بترك هذه الثمرة العاجلة لأداء صلاة الجمعة، ويتضمن هذا الأمر ترك كل الأمور التي قد تأتي ثمراتها من بعد ذلك لأداء الصلاة.
إن البيع هو التعبير الدقيق لأن المتكلم هو الله، والحق لم يتكلم هنا مثلا عن الشراء، لأن الشاري قد يشتري وهو كاره، لكن البائع يملأه السرور وهو يبيع فقد يذهب رجل لشراء أشياء لبيته فيسمع الأذان فيسرع إلى الصلاة ويقول لأهله من بعد ذلك: لقد ذهبت إلى الشراء، لكن المؤذن قد أذن لصلاة الجمعة، ذلك أن الإنسان يجب ألا يدفع نقودا، لكن البائع يستفيد بقمة الفائدة. لذلك يخرجنا الحق من قمة «كل الأعمال ونهاية كل الأعمال وهي مبادلة السلع بأثمانها» . لكن ماذا بعد انقضاء الصلاة؟ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الجمعة: ١٠] .