لقد أخرجنا من الصلاة إلى الحياة نبتغي من فضل الله، ولذلك يكون الإنتشار في الأرض والبحث عن الرزق عبادة.
ولننظر إلى الدقة في قوله الحق:{فانتشروا فِي الأرض} إن الانتشار يعني أن ينساح البشر لينتظموا في كل حركات الحياة، وبذلك تعمر كل حركة فيها. إن كل حركة في الحياة هي عبادة، وهكذا نستوعب قوله الحق على لسان عيسى ابن مريم:{إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} ومن بعد ذلك يقول الحق: {فَلَمَّآ أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر} لقد حسم عيسى ابن مريم أمر العقيدة حينما قال: {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ} إن في ذلك تحذيرا من أن يقول أتباع عيسى أي شيء آخر عن عيسى غير أنه عبد الله خاضع لله، مأمور بالطاعة والعبادة لله. ووضع أمامهم المنهج، فقال:{هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} .
وقول الحق:{فَلَمَّآ أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر} يدل على أن كل صاحب فكرة، وكل صاحب مهمة، وكل صاحب هدف لا بد أن يكون يقظ الأحاسيس، لأن صاحب الفكرة وخاصة الدينية يخرج الناس من الظلمات إلى النور.
وقد يقول قائل: لماذا يعيش الناس في الظلام ولا يتجهون إلى النور من أول الأمر؟ وتكون الإجابة: إن هناك أناسا يستفيدون من وجود جموع الناس في الظلمات، لذلك يكون بينهم أناس ظالمون وأناس مظلومون، والظالم الذي يأخذ - اغتصابا - خيرَ الآخرين ويعربد في الكون يخاف من رجل الدعوة الذي ينهاه عن الظلم، ويدعوه إلى الهداية إلى منطق العقل، ومثل هذا الظالم عندما يسمع كلمة المنطق والدعوة إلى الإيمان لا يحب أن تُنطق هذه الكلمة، إنه يكره الكلمة والقائل لها.
إن الداعية مأمور من الله بأن يكون يقظا لأنه إن اهتدى بكلماته أناس وسعدوا بها، فإنّه يغضب أناساً آخرين، ذلك أن المجتمع الفاسد يوجد به المستفيدون من الفساد، فالداعية عليه أن يعرف يقظة الحس، ويقظة الحس معناها الالتفاف إلى الأحاسيس الخفية الموجودة عند كل إنسان، ونحن نسمى الأشياء الظاهرة منها الحواس الخمس، اللمس، والرؤية، والسمع، والتذوق، والشم.
إن رجل الدعوة مأمور بأن تعمل كل حواسه حتى يعرف من الذي يجبن ويرتجف