حول هذا المعنى. أليس ربان السفينة هو الذي يقود السفينة؟
وكلمة «الرب» توضح المتولي للتربية، إذن فما معنى كلمة «رباني» ؟ إنك إذا أردت أن تنسب إلى «رب» تقول: «ربّي» . وإذا أردنا المبالغة في النسبة نضيف لها ألفا ونونا فنقول:«رباني» ولذلك نجد في التعبيرات المعاصرة من يريدون أن ينسبوا أمرا إلى العلم فيقولون: «علماني» وفي ذلك مبالغة في النسبة إلى العلم. والفرق بين «علمي» و «علماني» هو أن العلماني يزعم لنفسه أن كل أموره تمشي على العلم المادي، ونجد أن في «علماني» ألفاً ونوناً زائدين لتأكيد النسبة إلى العلم.
وقد يقول قائل: ولماذا نؤكد الانتساب إلى الله بكلمة «رباني» ؟
ونقول: لأن الكلمة مأخوذة من كلمة رب، وتؤدي إلى معان: منها أن كل ما عنده من حصيلة البلاغ لا بد أن يكون صادرا ومنسوبا إلى الرب؛ لأنه لم يأت بشيء من عنده، أي أنه يأخذ من الله ولا يأخذ من أحد آخر أبدا؛ فهو رباني الأخذ.
وتؤدي الكلمة إلى معنى آخر: إنه حين يقول ويتكلم فإنه يكون متصفا بخلق أنزله رب يربي الناس ليبلغوا الغاية المقصودة منهم، فهو عندما ينقل ما عنده للناس يكون مربيا، ويدبر الأمر للفلاح والصلاح.
يقول الحق - سبحانه -: {بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الكتاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} إن العلم هو تلقي النص المنهجي. والدراسة هي البحث الفكري في النص المنهجي.
لذلك فنحن في الريف نقول:«ندرس القمح» أي أننا ندرس القمح بألة حادة كالنورج حتى تنفصل حبوب القمح عن «التبن» وتكون نتيجة الدراس هي استخلاص النافع.
. إذن ففيه فرق بين «تعلمون» أي تعلمون غيركم المنهج الصادر من الله وذلك خاضع لتلقي النص، وبين {مَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} أي تعملون أفكاركم في الفهم عن النص.
إن الفهم عن النص يحتاج إلى مدارسة، ومعنى المدارسة هو أخذ وعطاء، ويقال:«دارسه» أي أن واحد قد قام بتبادل التدريس مع آخر، ويقال أيضا:«تدارسنا» أي أنني قلت ما عندي وأنت قد قلت ما عندك حتى يمكن أن نستخلص