التقوى، أو سعة البركة أو سعة القوة، وكلها معان ملتقية، ولذلك يقول الله في الحديث القدسي:«قد كان العباد يكافِئون في الدنيا بالمعروف وأنا اليوم أكافئ بالجنة» .
إن الحق سبحانه الذي يعطي البر ثمنا لنفقة مما تحب يعلم هل أنفقت مما تحب فعلا أو تيممت الخبيث لتنفق منه، فإياك أيها المؤمن أن تخدع نفسك في هذا الأمر، لأن الذي البر ثمنا لنفقه مما تحب يعلم خبايا النفس، لذلك يقول سبحانه:{وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} .
وعلم الله شامل، إنه يعلم ما في نيتك، وكيف أنفقت.
ولقد بين الحق سبحانه النفقة المرفوضة حتى ولو كانت ملء الأرض ذهبا، ثم أوضح لنا أن هناك نفقة مقبولة وجزاؤها الجنة، وبذلك نرى التقابل بين النفقتين ولماذا جاء هذا الحديث؟ لقد كذب بعض أهل الكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في مستهل أمر الدعوة وكذبوا البشارة به، والنعت والبشارة جاءا في التوراة والإنجيل، وأنكروا الأوصاف التي ذُكِرت في كتبهم. حدث ذلك مع أنهم قد تورطوا من قبل في إعلان البشارة به {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} .
لقد أراد الله أن يفضحهم في التوراة التي يعتقدون أنها كتابهم وقد حرفوا بعض أحكام الله، وظنوا أن هذه التحريفات ستظل مستورة، لذلك جاء لهم بأحداث ولم ينتبهوا إليها لتقوم الحجة على أنهم قاموا بتحريف التوراة مثلما قلنا من قبل عن الخيبرية التي ارتكبت فاحشة الزنا، وأراد رؤساء اليهود أن يخففوا العقوبة عنها، لأن العقوبة الواردة في التوراة على جريمة الزني هي الرجم وقال هؤلاء الرؤساء:«نذهب إلى محمد، لعل لديه حكما مخففا» فلما ذهبوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وضح لهم أنه الرجم. فقالوا: لا، إنك لم تنصف في حكمك. فبين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لهم إنه يرضى بحكم التوراة التي عندكم وجيء بالتوراة وأمرهم الرسول أن يقرأوا فلما جاءوا إلى آية الرجم أرادوا أن يغفلوها