فقال له: إني مشغول، فاخرج إلى إبلي فاختر خيرها لنذبحه لضيافتك. فخرج الضيف، ثم عاد وفي يده ناقة مهزولة، فلما رآها أبو ذر قال: خنتني، قلت لك هات خير الإبل، قال الضيف: يا أبا ذر لقد رأيت خيرها فحلا لك وقدرت يوم حاجتكم إليه. فقال أبو ذر: إن يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي.
إن الصحابي الجليل أبا ذر يعرف أن يوم أن يوضع في الحفرة هو اليوم الجليل الذي يستحق من المرء أن يستعد له.
وسيدنا ابن عمر كان عنده جارية جميلة من فارس، وكان يحبها، فلما سمع الآية، قال: ليس عندي أحب إليّ من هذه الجارية، وأعتقها، وكان من الممكن أن يتزوجها بعد أن أعتقها لكنه قال: لولا أن ذلك يقدح في عتقها لتزوجتها. وسيدنا أبو ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يعطينا في مسألة الإنفاق درسا من أروع الدروس المستوعبة للملكة النفسية، فيقول: في المال شركاء ثلاثة: القَدَر لا يستأمرك أن يذهب بخيره وشره من هلك أو موت. أي أن القدر لا يستأذن عبدا في أن يذهب بالمال حيث يريد، فتأتي أي مصيبة فتأخذ المال إلى هلك أو موت. هذا هو الشريك الأول في المال، إنه القَدَر.
والشريك الثاني في المال يوضحه لنا أبو ذر فيقول: إنّه الوارث، ينتظرك إلى أن تضع رأسك، ثم يستاقها وأنت قد سلبت بالموت كل ما تملك في الدنيا وأصبحت من غير أهلها. إن الوارث يقول لنفسه:«فلأستمتع بما ترك لي» ، وهذا هو الشريك الثاني في المال.
ويوضح لنا أبو ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الشريك الثالث في المال فيقول: والثالث أنت، فإن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة فلا تكن أعجزها، أي إياك أن يغلبك على المال القدر أو الوارث، ينبغي عليك أن تغلب بإنفاق المال في سبيل الله وإلا أخذه منك باقي الشركاء.
إذن لقد انفعل صحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالآية حينما نزلت حتى عدا الخير المحبوب منهم إلى غيرهم، وكان جزاء ذلك الجنة. لقد عرفوا قول الحق:{لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} أي الجنة المترتبة على الطاعة أو