فقال لها إبراهيم عليه السلام: إنه توجيه من الله، لذلك قالت:«لقد اطمأننت، والله لا يضيعنا أبدا» .
لم تقلق هاجر لأن إبراهيم اتجه إلى ما أمره الله، وهذا هو الإيمان في قمته، ولو لم يكن الإيمان على هذه الدرجة الرفيعة فأي قلب لأم تترك أب الطفل يذهب بعيدا عنها وتعيش مع ابنها في هذا المكان الذي لا يوجد به طعام أو فيه ماء، فهي لا تؤمن بإبراهيم، ولكنها تؤمن برب إبراهيم وعندما تقرأ القرآن الكريم تجد القول الحق على لسان إبراهيم:{رَّبَّنَآ إني أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المحرم رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصلاة فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ وارزقهم مِّنَ الثمرات لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}[إبراهيم: ٣٧]
هكذا نعرف أنه ساعة إسكان إبراهيم لذريته كان هناك بيت وأن هذا البيت محرم، وعندما نقرأ عن رفع البيت الحرام نجد أن إبراهيم عليه السلام لم يرفع قواعد البيت بمفرده بل شاركه ابنه إسماعيل عليه السلام. {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم}[البقرة: ١٢٧]
هكذا نعلم أن إسماعيل عليه السلام كان قد نضج بصورة تسمح له أن يساعد والده خليل الرحمن في إقامة قواعد البيت الحرام، وهذا يدلنا على أن إسماعيل نشأ طفلا في هذا المكان عندما أسكنه والده إبراهيم عند البيت المحرم، هكذا نتيقن أن البيت المحرم كان موجودا من قبل إبراهيم عليه السلام، وعندما ندقق النظر في معنى كلمة «بكة» التي وردت في هذا القول الكريم: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً} فإننا نعرف أن هناك اسما لمكان البيت الحرام هو «بكة» وهناك اسم آخر هو مكة، وبعض العلماء يقول: إن «الميم» و «الباء» يتعاونان، ونلحظ ذلك