في الإنسان «الأخنف» أو المصاب بزكام، إنه ينطق «الميم» كأنها «باء» . والميم و «الباء» حرفان قريبان في النطق، والألفاظ منهما تأتي قريبة المعنى من بعضها.
ولننظر إلى اشتقاق «مكة» واشتقاق «بكة» . إننا نقرأ «بكّ المكان» أي ازدحم المكان، وهكذا نعرف من قوله الحق:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً} أي أنه مكان الازدحام الذي يأتي إليه كل الناس وكل الوفود لتزور بيت الله الحرام، ولا أدل على ازدحام البيت الحرام من أن الرجال والنساء يختلط بعضهم ببعض، والإنسان يطوف بالبيت الحرام، ولا يدري أنه يسير وقد يلمس امرأة أثناء الطواف.
و «بكة» هي المكان الذي فيه الطواف والكعبة، أي هي اسم مكان البيت الحرام، «ومكة» اسم البلد كلها الذي يوجد به البيت الحرام. و «مكة» مأخوذة من ماذا؟ إن «مكة» مأخوذة من «مك الفصيل الضرع» أو «امتك الفصيل الضرع» ، أي امتص كل ما فيه من لبن، والفصيل كما نعرف هو صغير الإبل أو صغير البقر. وما دام الفصيل قد امتص كل ما في الضرع من لبن فمعنى هذا أنه جائع، ومكة كما نعرف ليس فيها مياه، والناس تجهد وتبالغ في أن تمتص المياه القليلة عندما تجدها في مكة.
وفي كلمة «مباركا» نجد أنها مأخوذة من «الباء والراء والكاف» والمادة كلها تدور حول شيء اسمه الثبات، فهل هو الثبات الجامد، أم الثبات المعطي النامي الذي مهما أخذت منه فإنه ينمو أيضا؟ إننا في حياتنا اليومية نقول:«إن هذا المال فيه بركة مهما صرفت منه فإنه لا ينتهي» ، أي أنه ثابت لا يضيع، ويعطي ولا ينفد. وكلمة «بِرْكة» في حياتنا تعني أنها تَجَمعُ الماء تأخذ منها مهما تأخذ فيأتي إليها ماء آخر.
وكلمة «تبارك الله» تعني «ثبت الحق» ولم يزل أزلا ولا يزال هو واحداً أحداً، إنه الثبوت المطلق. وهكذا نجد أن الثبات يأتي في معنى البيت الحرام. إن البيت الحرام مبارك أبدا «كيف» ؟ أليست تضاعف فيه الحسنة؟ وهل هناك بركة أحسن من هذه؟ وهل هناك بركة أفضل من أنه بيت تُجبى إليه ثمرات كل شيء ولا تنقطع؟ فقديما كان الذاهب إلى البيت الحرام يأخذ معه حتى الكفن، ويأخذ الإبرة والخيط، والملح، والآن فإن الزائر لبيت الله الحرام يذهب ليأتي بكماليات