هو خبرتهم بالحرب؛ فلهم قلاع وحصون. هكذا كان لليهود ثلاثة أسباب للتميز:
المال يحقق الزعامة الاقتصادية، والعلم. . بالكتاب وهو تفوق علمي، ثم خبرتهم بفنون الحرب، وكانوا فوق ذلك يحاولون إيجاد الخلاف بين الناس وتعميقه. مثل محاولتهم إثارة العداوات بين الأوس والخزرج. والمتاجرة بذلك حتى تظل الحروب قائمة، وبذلك يضمنون رواج تجارة الأسلحة التي يصنعونها ويمدون بها كل فريق من المتحاربين.
ولما جاء الاسلام وحّد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بين الأوس والخزرج وبذلك ضاع منهم التفوق الاقتصادي. وجاء الاسلام بدين وكتاب مهيمن على الكتب، فضاعت من اليهود المنزلة العلمية. وكذلك ضاعت من اليهود المنزلة الحربية؛ فقد رأوا قلة من المؤمنين هزموا الكفار وأنزلوا بهم هزيمة نكراء في بدر، وهكذا ضاع كل سلطان لليهود في المدينة، لذلك أرادوا أن يعيدوا الأمر إلى ما كان عليه قبل أن يجيء الإسلام، فقالوا فلنؤجج ونشعل ما بين الأوس والخزرج من العداوات ونهيجها، وقال شخص اسمه «شأس بن قيس» وقد رأى نور الإيمان يعلو وجوه الأوس والخزرج ويشملهم الانسجام الإيماني. وتوجد بينهم المودة وابتسامات الصفاء، هيَّج ذلك شأس بن قيس وقال:«والله لا بد أن نعيدها جذعة ونرجعهم إلى ما كانوا عليه من أحقاد وعداوات، فلا استقرار لنا ما دامو قد اجتمعوا» .
فأرسل فتى من اليهود وجلس بين الأوس والخزرج، ثم تطرق الحديث منه إلى يوم يسمى يوم «بعاث» ، وهو اسم يوم من أيام العرب قبل الإسلام، وكان بين الأوس والخزرج، وكان النصر فيه للأوس على الخزرج، وجلس الفتى اليهودي يذكر ويأتي بالشعر الذي قيل في هذا اليوم فهيّج حمية الأوس والخزرج وحدث النزاع، وحصل التفاخر واستيقظ التباغض، وقالوا:«السلاح. . السلاح» وهكذا نجحت المكيدة، ونمى الخبر إلى سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ومعه صحابته، حتى انتهَوْا إلى اجتماع الأوس والخزرج، فوجدوا الحال على أشد درجات الهياج، نزاع، وتباغض، وسلاح محمول، فقال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أبِدَعْوى الجاهلية وأنا بين أظهركم!!