أي كان من الواجب أن تخجلوا من أنفسكم؛ لأن رسول الله بينكم، وأضاف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لقد أكرمكم الله بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، وألف بين قلوبكم، فماذا كانت مواقع كلمات الرسول في نفوس القوم؟ لقد دفعتهم كلماته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى إلقاء السلاح، وبكوا وعانق بعضهم بعضا وانصرفوا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فما كان يوم أقبح أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم.
وعندما نتأمل ما فعله هؤلاء القوم من اليهود لإشعال الفتنة بين الأوس والخزرج نجد أنهم قد أدركوا طبيعة النزاع القديم بين الأوس والخزرج فأرادوا أن يهيجوا تلك العداوات والأحقاد القديمة، وكذلك نجد أن تهييج المشاعر بين الأوس والخزرج جعل للانفلات بابا فكاد القتال يشتعل، وعندما تكلم فيهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هدأت المواجيد، وألقوا السلاح، وندموا على ما فعلوا.
وإذا أردنا أن نرى الأمر بعمق التصور لِمَا حدث فإننا نجد أن إدراك العداوة بين الأوس والخزرج من اليهود هو الذي دفع اليهود لتحريك هذا الإدراك الخاطئ وإحياء الثارات القديمة، ثم كان انفعال الأوس والخزرج بتلك الثارات القديمة قد فتح الباب لحمل السلاح للاقتتال.
وهكذا نجد أن الإدراك للشيء، يمر بثلاث مراتب: أولا: الإحساس بالشيء، ثانيا: انفعال النفس له، ثالثا؛ النزوع السلوكي، وعندما تحدث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، أدرك الأوس والخزرج الأمر بطريقة عكسية فألقوا السلاح، وهدأت مواجيد البغضاء، وتركوا الإدراكات الخاطئة.
لقد ذكرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بثلاثة أشياء هي:«أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم وقد أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية. وألف بين قلوبكم» . وقد استقبلوا ذلك بإلقاء السلاح أولا، ثم البكاء ثانيا، وهو أمر حركته المواجيد فيهم ثم تعانقوا أي صححوا الإدراكات ثالثا، وهكذا حدث النزوع بالعكس. ولما حدث ذلك أصاب اليهود الغيظ والخيبة والنكد. وقال المؤرخ لهذه القصة: فما كان يوم في الإسلام أسوأ أولا وأحسن آخراً إلاّ ذلك اليوم.