ونعود إلى وصف علي كرم الله وجهه مجلسَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: كان لا يجلس ولا يقوم إلا عن ذكر.
ولنتنبه إلى دقة الرسول في التعامل مع البطانة من البشر، فها هو ذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان لا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها. ويوطن المكان، أي أن يخصص مكانا لفلان ليجلس فيه، لقد كان الرسول يجلس حيث انتهى به المجلس، وكذلك كان صحابته، فلا أحد يجلس دائما بجانبه حتى لا يأخذ أحد من مكانته عند الرسول فرصة يتخيل معها الآخرون أنه صاحب حظوة؛ فكلهم سواسية ونحن نرى في عصرنا أن هناك من يتخذ لنفسه مكانا في المسجد، وهذا منهي عنه. فعن ابن عمرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قال:(نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطّن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) .
ويضيف علي كرم الله وجهه في وصف مجلس رسول الله: وكان إذا ذهب إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، «وكان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض، يعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك» .
أهناك أدب أكثر من هذا؟ إنه الرسول الكريم، يجلس حيث ينتهي به المجلس، لقد أراد أن يضرب لنا المثل حتى تتنوع اللقاءات؛ فاليوم قد يجلس مؤمن بجانب مؤمن من مكان بعيد، وغدا يجلس كلاهما بجانب اثنين جاء كل منهما من مكان آخر، وهكذا تتحقق اندماجية الإيمان بتنوع اللقاءات.
ويقول علي كرم الله وجهه: وكان رسول الله يعطي كل جلسائه نصيبهم من مجلسه حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه.
إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عندما يعطي نظرة لواحد، فهو ينظر كذلك لكل