واحد في مجلسه، وإن تكلم كلمة إلى ناحية فهو يعطي كلمة أخرى إلى الناحية المقابلة؛ لذلك حتى يعرف كل جليس للرسول أن المؤمنين سواسية، وأنّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رسول إلى الناس كافة؛ وليس رسولا إلى قوم بعينهم، وحتى يعرف كل واحد من جلسائه أنه يجلس إلى رسوله الذي بعثه الله إليه.
هكذا كان سلوك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حتى يعطي القدوة للناس، وحتى يعرف كل إنسان أن التحام الناس بعضهم ببعض؛ قد يسبب لواحد استغلال الالتحام في غير صالح الإيمان.
لذلك يقول الحق سبحانه: يا أيها المؤمنون تنبهوا إلى أنكم في معسكر من غير المؤمنين يقاتلكم ويعاند إيمانكم، وهؤلاء لا يمكن أن يتركوكم على إيمانكم، بل لا بد أن يكيدوا لكم، وهذا الكيد يتجلى في أنهم يدسون لكم أشياء، وينفذون إليكم.
ونعرف جميعا أن الإسلام عندما جاء كان كثير ممن آمن له ارتباطات بمن لم يسلم؛ فهناك القرابة، والصداقة، والإلف القديم والجوار، والأخوة من الرضاعة، لذلك يحذر الحق من هذه المسائل، فلا يقولن مؤمن هذا قريبي، أو هذا صديقي، أو هذا حليفي، أو هذا أخي من الرضاعة، فالإسلام يحقق لكم أخوة إيمانية تفوق كل ذلك، ولهذا فإياكم أن تتخذوا أناسا يتداخلون معكم بالود؛ لأن الشر يأتي من هذا المجال، وإياكم أن تعتقدوا أن فجوة الإيمان والكفر بينكم ستذهب أو تضيق؛ لأن الكفار لن يتورعوا أن يدخلوا عليكم من باب الكيد لكم ولدينكم بكل لون من الألوان، وهم - الكفار - لا يقصرون في هذا أبدا، لذلك يأتي الأمر من الحق:
{يا أيها الذين آمنوا} ، احموا هذا الإيمان فلا تتداخلوا مع غير المؤمنين تداخلا يفسد عليكم أمور دينكم؛ لأنهم لن يهدأوا، لماذا؟ لأن حال هذه البطانة معكم سيكون كما يلي:{لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} أي لا يقصرون أبدا في الكيد لكم، والخبال: هو الفساد للهيئة المدبرة للجسم وهو العقل، ونحن نسمى اختلال العقل «خبلا» .