{مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بالحق ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[الدخان: ٣٩] إن الحق جعل للكون قضايا ثابتة، فلا شيء يعتدي على شيء آخر أبداً. واختيار الإنسان هو الذي يأتي بمقابل الحق وهو الباطل، ولذلك يصون الله الكون بأن يبين أن الحق يصطدم بالباطل، والباطل يصطدم بالحق لكن الحق يجيء ويبقى، والباطل يزهق ويزول، ويظهر الله لنا ذلك أمام أعيننا يقول تعالى:{وَقُلْ جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً}[الإسراء: ٨١]
إذن فقوله سبحانه:{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} يعني: اعتبروا بما سبقكم وانظروا إلى اصطدام الباطل بالحق، أدام وبقى اصطدام الباطل بالحق؟ لا؛ لأن الباطل كان زهوقا.
ولذلك نحن نرى أمثلة عملية لذلك لا أقول في مواكب الناس بعضهم مع بعض، ولكن في موكب الباطل مع حق السماء. وحق السماء يمثله الرسل والمناهج التي جاءت من عند الله وكل حق جاء من السماء وجاء من مناهج الله قابلة قوم مبطلون.
لماذا؟ لأن السماء دائماً لا تتدخل إلا حين يشيع الفساد، وما دام الفساد يشيع فإن هناك طائفة منتفعة بالفساد، وهذه الطائفة المنتفعة بالفساد وبالباطل تدافع عنه وبعد ذلك يأتي موكب السماء ليصادم هذا الباطل والفئة المنتصرة للباطل، فتنشأ معركة، فقال الحق حينئذ:{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} . قالها الحق لنعرف أن الباطل زهوق، وأن كل معارك أهل الأرض مع منهج السماء قد انتصر فيها الحق. ولذلك تأتي سورة العنكبوت لتبين لنا ذلك، بداية من قوله سبحانه:{وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ ياقوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الأخر وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}[العنكبوت: ٣٦ - ٣٧]