القصر. إنه سبحانه وتعالى يقصر محمدا على الرسالة. فإذا قصر محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على الرسالة فهذا يعني أن بعض المعاصرين له كانوا يعتقدون أن محمدا أكبر من رسول ولا يموت.
فأوضح الله سبحانه أن محمدا رسول، وقد خلت من قبله الرسل، ولن يخلد الله أحدا.
وهل غاب ذلك عن الذهن؟ نعم كان ذلك يغيب عن الذهن بدليل أنه حتى بعد أن نزلت هذه الآية وصارت قرآنا يُتلى، نجد أن سيدنا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وكانت له فطرة صافية توافق وحي الله، إنه محدَّث مُلْهَم.
ها هو ذا عمر بن الخطاب حينما مات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وانتقل إلى رحاب الله يقول: والله ما مات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير وأرجلهم. قال عمر بن الخطاب ذلك من هول الفاجعة ونسي الآية فيأتي سيدنا أبو بكر فيقول: من كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لم يمت، ومن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، وتلا قوله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقلبتم على أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئاً وَسَيَجْزِي الله الشاكرين} . فقال عمر بن الخطاب:«فلكأني لم أقرأها إلا يومئذ» .
ثم إن عمر بعد أن بايع المسلمون أبا بكر بالخلافة قال: أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب أنزله الله، ولا في عهد عهده إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حتى يَدْبُرنا فاختار الله عَزَّ وَجَلَّ لرسوله الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسوله فخذوا به تهتدوا كما هَدِيَ له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وهذه تعطينا أمرين اثنين:
الأمر الأول: هو عِشق الصحابة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.