قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} فكل قلب به كفر يحتاج إلى إلقاء الرعب فيه. إذن فتأتي نون العظمة لتستوعب كل هذه القلوب الكافرة؟ .
وهو سبحانه لا يتجنى عليهم بالقاء الرعب، ولكن هم الذين استحقوا أن يلقى في قلوبهم الرعب، لماذا؟ «بما أشركوا» . إن الإشراك بالله هو الذي جاء لهم بالرعب؛ لأن الله يفعل، والشركاء لا يفعلون. ولو أن شركاءهم حق لما تخلوا عنهم. فلماذا لم يأتوا بشركائهم لينصروهم؟ لقد جاءهم الرعب لأنهم ليس لهم مولى، ولو كان لهم آلهة قادرة - كما يدعون - لقالوا لتلك الآلهة: رب محمد يعمل معنا هكذا فلماذا لا تقفون له يا أربابنا؟ لكنهم أشركوا بالله ما لا يضر ولا ينفع، بل ضره أقرب من نفعه.
{بِمَآ أَشْرَكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} والسلطان هو القوة والحجة والبرهان مأخوذة من مادة «السين واللام والطاء» ونقول: فلان تسلط على فلان، أي أرغمه بقدرته عليه. ويقولون: فلان سليط اللسان، أي قادر أن يسب، إذن فالسلطة هي: القهر، والقوة التي ترغم على الفعل، وفي المعنويات هي الحجة والبرهان، والمؤمنون دائما ذوو سلطان من الله؛ لأنهم إن انتصروا ماديا فذلك سلطان القهر، وإن انهزموا ماديا فعندهم سلطان الحق والدليل؛ ولذلك قلنا سابقا: إن إبليس يأتي يوم القيامة ويقول: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي فَلاَ تَلُومُونِي ولوموا أَنفُسَكُمْ}[إبراهيم: ٢٢]
وقلنا إن السلطان نوعان: إما قوة تقهرنا على أن نفعل المعصية، وإما برهان ودليل يجعلنا نفعل المعصية.
والفرق بين القوة القاهرة وبين سلطان الدليل هو أن القوة القاهرة تجعلك تفعل وأنت مرغم غير راض عن الفعل. أما سلطان الدليل فيقنعك بأن تفعل؛ فتكون قد فعلت برضاك، فمرة يأتي السلطان بمعنى: قوة تقهرك على أن تفعل الفعل وأنت