أي من أين؟ وتأتي مرة أخرى بمعنى «كيف» : {أَوْ كالذي مَرَّ على قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا قَالَ أنى يُحْيِي هذه الله بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ الله مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ}[البقرة: ٢٥٩]
أي كيف يحيي؟ إذن فمرة تكون بمعنى «من أين» ، ومرة تكون بمعنى «كيف» ، والذين دخلوا معركة أحُد كانوا ينكرون ويستعجلون لعدم انتصارهم. . فأوضح لهم الحق: لو كنتم مستحضرين قضية الإيمان بإله عادل وضع في كونه سننا وهو لن يغير سننه ولن يحولها من أجلكم أنتم، إن عليكم أن تعرفوا أن الله لا يتغير من أجل أحد، ولكن يجب أن تتغيروا أنتم من أجل الله.
{أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا} : و «لما» يعني: حين، واسمها:«لما الحينية» و «لما» تكون أيضا من أدوات وعوامل الجزم مثل: لَمْ و «لم» تنفي، و «لمَّا» أيضا تنفي مثل قوله الحق: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: ١٤]
أي أن الإيمان لم يدخل قلوبكم بعد. إنما من الجائز أنه قد يدخل بعد ذلك، هذه اسمها «لَما» الجازمة. وهناك «لما» الشرطية مثل قولنا: لما يقوم زيد يحرث كذا، وهذه فيها شرط، وفيها الزمن أي حين يقوم يحدث كذا، مثل قوله الحق:{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ}[الصافات: ١٠٣ - ١٠٥]
أي حين أسلم وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا أي ناديناه، والواو هنا مقحمة مثلما في قوله تعالى:{حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} أي قال لهم. ومعنى مقحمة. . جيء بها للتوكيد والتقوية أو جاءت الواو هنا لتفيد أن نداء الله لسيدنا إبراهيم جاء مصاحبا لإلقاء ابنه إسماعيل على وجهه ليذبحه.