ف «لمّا» هذه وفي الآية التي نحن بصددها هي «لما الحينية» ، أحين تصيبكم أي: أوقت تصيبكم مصيبة قد أصبتم مثليها «قلتم أنى هذا» كان يجب أن تقارنوا لماذا أصَبْتُم في بدر مِنْ عدوكم ضعف ما أصاب منكم، ولماذا أصاب عدوكم منكم يوم أُحُدٍ هذا؟ كان يجب أن تسألوا أنفسكم هذا السؤال؛ لأن الميزان منصوب وموضوع، وما دمتم تغافلتم عن هذا فسيأتي لكم الرد. . قل يا محمد لهم رداً على هذا:{هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} . لقد خالفتم عن أمر الرسول، وما دمتم خالفتم عن أمر الرسول، فلا بد أن يحدث هذا بمقتضى إيمانكم بإله له سنن لا تتحول ولا تتبدل. {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أنى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} .
وبعد ذلك تذيل الآية بقوله سبحانه:{إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . فما موضعها هنا؟ موضعها أنه ما دامت لله سنن، وسنن الله لا تتبدل، والله موصوف بالقدرة الفريدة له فلن يأتي إله آخر ويقول: نبطل هذه السنن. وما دام لا يوجد إله آخر يقول ذلك فهو سبحانه قدير على كل شيء، وهو قدير على أن تظل سننه دائمة، ولا توجد قوة تزحزح هذه القضية؛ لأن السنن وضعها الله. فمن الذي يغيرها؟ إنها لن تتغير إلا بقوة أعلى ومعاذ الله أن تكون هناك قوة أعلى من قوة الله؛ لذلك يوضح سبحانه: أنا قدير على كل شيء وقدير على أن أصون سنني في الكون، فلا تتخلف ولا توجد قوة أخرى تُحوِّل هذه السنن أو تبدلها.
ولا تظنوا أن ما أصابكم جاء فقط لأن السنن لا تتغير، لا، فهذا قد حدث بإذن من الله، فالله أوضح للكون: من يخالف أمري أفعل فيه كذا. إذن فالكون لم يحدث فيه شيء دون علم الله وإذنه.
ويقول الحق بعد ذلك:{وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ التقى الجمعان فَبِإِذْنِ الله ... }