أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وما دامت هذه إرادات الله في ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة، أيكون لهم عمل يصادم مرادات ربهم؟ لا.
إنه سبحانه يريد بما شرّع من منهج أن تأتيهم سُنّته، والله يعذّب من يخالف سُنته التي شرعها. لأنه جلت قدرته يطلب من المكلفين أن يطبقوا سنته التي شرعها لهم.
وفرق بين وجود «لام العاقبة» التي تأتي حين يكون في مُراد العبد شيء، ولكن القُدرة الأعلى تريد شيئاً آخر، وهي تختلف عن «لام الإرادة» والتعليل ف «لام الإرادة والتعليل» تتضح في قولنا: ذاكر التلميذ لينجح، لأن علّة المذاكرة هي الرغبة في النجاح، أما «لام العاقبة» فتتضح عندما يقول الأب لابنه: أنا دللتك لترسب آخر العام.
أدللّ الأب ابنه حتى يرسب؟ لا، ولكن الأب يأتي هنا ب «لام العاقبة» أي كان للأب مراد، ولكن قدرة أعلى جاءت على خلاف المراد.
ونوضح المسألة أكثر، فالحق يقول في قصة سيدنا موسى:{وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين}[القصص: ٧]
ونحن لا بد أن نتنبه إلى قول الحق:{فَأَلْقِيهِ فِي اليم} والإنسان العادي لو قال لامرأة تحمل رضيعها: إن خفت على ابنك فألقيه في البحر. هذه المرأة لن تُصدّق هذا القائل، لكن أم موسى تلقت هذا الوحي من الله، والتّلقّي من الله لا يُصادمه فكر شيطان ولا فكر بشر، فالإلهام من الله يتجلّى في قوله:{وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى} . وما دام الله هو الذي ألهمها، فإن خاطر الشيطان لا يجيء. ولذلك قامت أم موسى بتنفيذ أمر الله. ويطمئنها الله فقال لها: {وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ